د. عبد العزيز بن عبد الله الخضيري
يعتبر الوقت والتعامل معه وإدارته من الأمور التي تشغل العالم وسخرت الإمكانات المالية والبشرية من خلال مراكز عالمية لدراسة واقتراح أفضل الحلول لاستثماره والاستفادة منه، كما أن هناك العديد من الكتب والنظريات التي نظرت إلى الوقت كجوهر حياة وتعبير صادق عن نجاح أو إخفاق مختلف الأفراد والمؤسسات والدول في التعامل معه واستثماره واستغلال كل ثانية منه.
لقد أكدت مختلف الديانات السماوية أهمية الوقت وإدارته، ولنا في ديننا الإسلامي النصيب الأكبر والأهم حول أهمية الوقت وأسلوب استثماره وحسن إدارته، وجعله الله ـــ سبحانه وتعالى ــــ من الآيات المهمة التي أقسم بها في أكثر من موضع في القرآن.
إن من أهم التوجهات الحكومية الوطنية اليوم هو الاهتمام بالمواطن وتحقيق الحياة الكريمة له، وتأتي قضية إيجاد فرص العمل له في أولويات العمل الحكومي، وتم إصدار العديد من الأوامر السامية والقرارات الوزارية التي تدعم هذا التوجه، إلا أن ساعات العمل خصوصاً في القطاع الخاص تقف عقبة حقيقية في وجه تحقيق هذا الجهد الحكومي، حيث يغلب على كثير من المؤسسات والمحال التجارية العمل لساعات طويلة ومتأخرة من الليل، مما لا يعطي المواطن الفرصة للعمل بها نظراً لارتباطاته والتزاماته الأسرية والاجتماعية، مما يتسبب في الإضرار بأحدهما العمل أو الأسرة، وهذا يجعل العديد من الشباب يبحثون عن وظائف حكومية مهما كانت بسيطة؛ فقط لتحقق لهم الضمان الاجتماعي على حساب تطوير قدراتهم وكفاءاتهم، ولهذا فإننا نحتاج إلى إعادة النظر في ساعات العمل خصوصاً في المحال التجارية، ولعل ما يرد للذهن كحل هو تحديدها بساعات عمل تبدأ من الساعة التاسعة صباحاً وحتى التاسعة مساء، على أن يؤجل أذان صلاة العشاء صيفا وشتاء إلى الساعة التاسعة مساء، حيث تغلق المحال التجارية بعد الأذان ولا تعود للعمل بعده، وبهذا نعطي الفرصة لهؤلاء العاملين للعودة لبيوتهم والاهتمام بعلاقاتهم الأسرية والاجتماعية، وفي الوقت نفسه نقضي على ظاهرة السهر غير المبرر للمجتمع واستمرار عمل المحال التجارية إلى ساعات متأخرة من الليل.
كما أن ساعات العمل الحالية في مختلف الدوائر الحكومية وبداية العمل من الساعة السابعة والنصف لم يعد له ما يبرره من البداية المبكرة، ولعل في تجربة العديد من الدول خير مثال على ذلك، ومهما كانت المبررات السابقة فإنها لم تعد تتناسب والوضع الراهن، خصوصاً أن العديد من الموظفين يستغلون الوقت بين الساعة السابعة والنصف والتاسعة للإفطار وغيره ، ولهذا فإن من المناسب إعادة النظر في ساعات العمل الحكومي، حيث تكون بين الساعة التاسعة صباحا وحتى الرابعة عصراً ونعطي الفرصة للجميع للإفطار في منازلهم بعيداً عن المكاتب ووقت العمل.
كما أن عمل البنوك وبعض المؤسسات الخاصة المشابهة يحتاج إلى إعادة نظر وتنظيم، حيث يغلب على العديد منها العمل على فترتين صباحية ومسائية، مما يتسبب في العديد من الاختناقات المرورية، إضافة إلى ما يسببه هذا النوع من العمل من إشكالات اجتماعية وأسرية لهؤلاء العاملين، وفي الوقت نفسه يتسبب في خروج العديد من الموظفين والعاملين في القطاعات الحكومية والخاصة للقيام بأعمالهم البنكية خلال فترة الصباح، وذلك نظراً لتكاسل البعض من الخروج في المساء لهذا الغرض، ولهذا فإن إعادة النظر في ساعات العمل في مثل هذه المؤسسات سيحقق العديد من الفوائد، حيث تكون ساعات عملهم بين الساعة العاشرة صباحاً والسابعة مساء، وبهذا نعطي المراجعين للبنوك من الموظفين والعاملين الفرصة للقيام بمراجعاتهم البنكية بعد خروجهم من العمل وفي طريقهم لمنازلهم، ونحقق للعاملين في البنك فرصة الاهتمام بأسرهم بعد ساعات العمل.
وأخيراً فإن تعديل الوقت والأخذ بالنظام العالمي في تعديل الساعة بين الصيف والشتاء أصبح من الضروريات الأساسية للعمل في المملكة، ولو أخذنا مثالا على ذلك لوجدنا أن وقت أذان الفجر في يوم 30 كانون الثاني (يناير) في مدينة مكة المكرمة الساعة 5:38 صباحاً وفي الدمام 5:02 صباحاً وفي الرياض 5:14 صباحاً وفي سكاكا 5:44 صباحاً وفي مدينة تبوك 5:57 صباحاً، وشروق الشمس في التاريخ نفسه نجده في الدمام الساعة 6:25 صباحاً وفي مدينة تبوك 7:22 صباحا أي أن هناك نحو ساعة بين التوقيتين، وهذا الفارق يتضح بين المدن الأخرى وفي أوقات الصلوات أيضا، حيث إن أذان صلاة العشاء في الدمام الساعة 6:51 مساء وفي تبوك الساعة 7:42 مساء. هذه الفروق في التوقيت الشتوي تبرز أيضا في الصيف بشكل مختلف ومتقارب أيضا فنجد في يوم الثامن من حزيران (يونيو) أن أذان الفجر في مدينة الدمام مثلا الساعة 3:10 صباحاً وشروق الشمس الساعة 4:46 صباحا وفي مدينة تبوك الساعة 3:57 صباحاً والشروق 5:36 صباحاً.
إن هذه الفروق في التوقيت تحتاج إلى إعادة دراسة لتعديل الساعة ومعالجة الخلل في ساعات العمل، حيث نقرب بين وقتي الشروق والمغيب في فصلي الشتاء والصيف، حيث نحذف ساعة من الوقت الشتوي ونزيد ساعة أو أكثر للوقت الصيفي وما بينهما يتم تعديله وفقاً لذلك.
إن فكرة إعادة دراسة عقارب الساعة وضبط إيقاعها بما يخدم التوجهات التنموية ويزيد من فعالية الإنتاج والعمل ويحقق تنفيذ كثير من التوجهات التنموية الخيرة لصالح الوطن والمواطنين، وفي الوقت نفسه يقضي على كثير من الظواهر السلبية في إدارة الوقت واستغلاله واستثماره بالشكل المطلوب والمرضي ليستحق منا دراسة وافية ومتأنية لعقارب الساعة. إن الوقت قد حان لإعادة ضبط ساعتنا البيولوجية وجعلها تدور وفقاً للمتغيرات العالمية.
وختاما أختصر ما طرحته في النقاط التالية:
1) تعديل ساعات العمل في المحال التجارية، حيث يكون بين الساعة التاسعة صباحاً والتاسعة مساء مع تعديل وقت صلاة العشاء، حيث يكون الأذان الساعة التاسعة مساء.
2) تعديل مواعيد ساعات العمل في البنوك والمؤسسات العامة، حيث تكون بين الساعة العاشرة صباحاً والسابعة مساء.
3) تعديل ساعات عمل الأجهزة الحكومية، حيث يكون بين الساعة التاسعة صباحاً والرابعة عصراً.
4) مواعيد المدارس وما في حكمها من الساعة الثامنة صباحاً ويترك انتهاؤها مرتبطا بنوعية المدرسة وجداولها الخاصة.
5) العمالة في مجال البناء وما في حكمه يكون عملها بين الساعة السادسة صباحاً والسادسة مساء.
6) إعادة النظر في مواقيت الصلوات وشروق الشمس وغروبها في الشتاء والصيف، بالإضافة والحذف وضبط الساعة البيولوجية لنا.
7) جميع ساعات العمل يتخللها وقت للصلاة والغداء والراحة.
هذه أفكار يمكن مراجعتها وتعديلها وتطويرها بما يتفق ومتطلبات المجتمع وسوق العمل وبما يحقق الأهداف الوطنية التي يسعى الجميع للعمل من أجل تحقيقها وصولاً إلى الرفاهية المنشودة وجعل نهارنا معاشا وليلنا سباتا.
وقفــــة تأمـــــــل:
''البنك هو المكان الذي يقرضك مظلة في الطقس المعتدل ويستردها منك عندما يبدأ هطول المطر''.